هارون الرشيد كتب في جاريته “جنان” بيتا من الشعر، ومكث على هذا البيت يقلّبه فلم يستطع أن يكمله، فطلب من حراسه -وكان ذلك ليلاً- أن يأتوه بالشاعر عباس بن الأحنف، فداهم الحرس بيت الشاعر وأخذوه للخليفة، لاهم يعرفون لماذا يريده ولا الشاعر المسكين، ولما وصل الشاعر بين يدي هارون الرشيد وبان عليه ذعره، قال له الخليفة وهو يضحك:
لا تُرَعْ ولا تخف، فأجابه شاعرنا المسكين: كيف يا أمير المؤمنين، وقد أُخْرِجْتُ من فراشي في جوف الليل وانتُزِعْتُ من بين أهلي وأولادي وتركتهم يوَلْوِلون عليّ؟ فهل أذنبتُ ذنبا؟
فضحك الخليفة هارون وقال للشاعر كتبت بيتاً وأريد له تتمة، قال له الشاعر يا أمير المؤمنين اهدأ عليّ (أي طلب مهلة ليتنفس) حتى أرتاح لقد افزعتني، ولما هدأ الشاعر قرأ عليه الخليفة هارون ما كتبه في “جنان” الجارية فقال قلت فيها: جنان قد رأيناها ولم نر مثلها بشرا…
فنشد له العباس تتمة البيت فقال: يزيدك وجهها حسناً إذا ما زدته نظرا
وهنا طرب الخليفة الهارون وقال للشاعر: زدني
فتابع الشاعر العباس:
إذا ما الليلُ جَنَّ علَيْكَ بالإظْلامِ واعْتَكرَا
ودَجَّ فلمْ تَرَ قَمَراً.. فأبْرِزْها ترَ القمَرا
فأعجب بالشعر الخليفة هارون، وقال له: ما دُمْنا قد أفزعناك وروّعناك، فلا أقل من أن ندفع لك ديتك، وأمر له بعشرة آلاف درهم وكساء.